مشاركة مميزة

الأصدقاء الحقيقيون - خواطر ولحظات وعي

  الأصدقاء الحقيقيون: الطريق والونس والطمأنينة   في زحمة الحياة، تتغير أماكننا، تتبدل ظروفنا، ويغادر الكثيرون محطاتنا… لكن هناك أشخاص يبقون مختلفين. أصدقاء لا يُقاس وجودهم بعدد السنين، ولا تُحدّد قيمتهم بكثرة اللقاءات، بل بعمق الأثر الذي يتركونه في قلوبنا. هؤلاء هم الأصدقاء الحقيقيون، الذين يثبتون لنا أن الصحبة ليست مجرد "ناس نمشي معهم في الطريق"، بل هم الطريق نفسه، والونس الذي يجعل المسافات أخف، واللحظات أعمق وأجمل. معنى الصداقة الحقيقية الصداقة الحقيقية مو بس مكالمات أو ضحكات عابرة، هي دعم في الشدائد، وكتف نرتاح عليه وقت التعب، وصوت يذكرك إنك ما زلت بخير حتى لو العالم كله تغيّر. هي طمأنينة تجعلك تشعر أن لديك من يفهمك بلا كثير شرح، ومن يساندك بلا شروط. الأصدقاء… مرآة الروح الصديق الحقيقي هو المرآة اللي تعكس حقيقتك من دون زيف. ما يجامل على حساب مصلحتك، وما يجاملك على خطأك، بل يكون معك بالصدق حتى لو كان مؤلم. وجوده يذكرك إنك لست وحدك في معارك الحياة، وإن هناك دائمًا من يراك بعين المحبة، لا بعين المصلحة. الصحبة التي تخفف عبء الحياة الأصدقاء الحقيقيون هم اللي يحولون الأيام الصعب...

عندما تحدثت الصخور - خواطر ولحظات وعي

 


عندما تحدثت الصخور


عندما تتحدث الصخور
عندما تتحدث الصخور


في تلك الليلة الباردة، وقفت على قمة الجبل وحيداً. كانت النجوم تتلألأ في السماء كأنها تهمس لي بأسرار الكون، والرياح تعزف لحناً حزيناً يتناغم مع خفقات قلبي المتعبة. لم أكن أعلم أنني سأجد في هذه العزلة ما كنت أبحث عنه طوال حياتي.


قبل ستة أشهر، فقدت كل شيء. وظيفتي التي كرست لها عشر سنوات من عمري، علاقاتي التي ظننت أنها ستدوم للأبد، وحتى ثقتي بنفسي التي طالما اعتبرتها حصني المنيع. انهار كل شيء كقصر من رمال أمام موجة عاتية من البحر. وجدت نفسي أغرق في بحر من اليأس، أتساءل: “لماذا أنا؟ ما الذي فعلته لأستحق كل هذا؟”


في تلك الفترة المظلمة، كنت أستيقظ كل صباح متثاقلاً، أجر خطواتي جراً، وكأن على كتفي جبالاً من الهموم. كنت أرى الناس من حولي يضحكون ويعيشون حياتهم بسعادة، بينما أنا غارق في ظلمات نفسي، لا أرى بصيص نور في نهاية النفق.


ذات مساء، وبينما كنت أتصفح الإنترنت بلا هدف، وقعت عيناي على مقولة غيرت مجرى حياتي:

“الصخور التي تعترض طريقك ليست عقبات، بل هي درجات سلم نجاحك.”

توقفت للحظة، وتأملت هذه الكلمات. هل يمكن أن تكون مصائبي هي في الحقيقة فرص متنكرة؟ كلمات قليلة لكنها هزّت داخلي شيئاً عالقاً منذ زمن.


قررت أن أخرج من عزلتي وأواجه مخاوفي. حزمت حقيبة صغيرة وانطلقت في رحلة تسلق إلى جبل طالما تجنبته بسبب صعوبته. كنت أريد أن أختبر نفسي، أن أتحدى حدودي، وربما أجد إجابات لأسئلتي الكثيرة.


الطريق كان وعراً، مليئاً بالصخور والمنحدرات الخطرة. مع كل خطوة، كانت قدماي تؤلمانني، وعضلاتي تصرخ طالبة الراحة. لكنني واصلت التسلق، متشبثاً بكل صخرة، متجاوزاً كل عقبة. كلما ارتفعت أكثر، شعرت بأن الهواء أنقى، وأن رؤيتي أوضح.


وعندما وصلت إلى القمة، وقفت هناك منتشياً بإنجازي. نظرت إلى الوادي أسفل مني، إلى المدينة البعيدة بأضوائها الخافتة، وأدركت كم كانت رؤيتي محدودة عندما كنت هناك في الأسفل. من هذا الارتفاع، بدت مشاكلي صغيرة، تافهة حتى.


جلست على صخرة كبيرة، وبدأت أتأمل رحلتي. كل تلك الصخور التي اعترضت طريقي، كل تلك العقبات التي ظننت أنها ستمنعني من الوصول، كانت في الحقيقة درجات سلم ارتقيت عليها. كل صخرة تغلبت عليها منحتني قوة إضافية، وثقة أكبر بنفسي.


أدركت حينها أن الفشل ليس نهاية الطريق، بل هو بداية طريق جديد. وأن الألم ليس عقاباً، بل هو معلم حكيم. وأن الخسارة ليست خسارة نهائية، بل هي فرصة للبدء من جديد، بحكمة أكبر وبصيرة أوضح.


عندما عدت من رحلتي، كنت شخصاً مختلفاً تماماً. بدأت أنظر إلى التحديات على أنها فرص للنمو، وإلى العقبات على أنها اختبارات لإرادتي. بدأت أبحث عن وظيفة جديدة، ليس بدافع اليأس، بل بدافع الشغف والرغبة في التعلم. بدأت أبني علاقات جديدة، ليس من منطلق الحاجة، بل من منطلق العطاء والمشاركة.


اليوم، بعد مرور عام على تلك الليلة على قمة الجبل، أنا أعيش حياة مختلفة تماماً. وظيفتي الجديدة تتيح لي استخدام مواهبي وتطوير مهاراتي. علاقاتي أصبحت أعمق وأكثر صدقاً. والأهم من ذلك، أصبحت أكثر سلاماً مع نفسي، أكثر تقبلاً لعيوبي وأخطائي، أكثر وعياً بما يجعلني حياً حقاً.


لا أقول إن الطريق أصبح مفروشاً بالورود، فما زالت هناك تحديات. لكن نظرتي تغيرت جذرياً. أصبحت أرى في كل تحدٍ فرصة للتعلم، وفي كل عقبة درجة أخرى في سلم نجاحي.


إذا كنت تمر بفترة صعبة، تذكر أن الصخور التي تعترض طريقك اليوم ستكون الدرجات التي ترتقي عليها غداً. لا تستسلم، بل واصل.


في النهاية، أعظم الانتصارات هي التي نكسبها على أنفسنا. وعندما تتحدث الصخور، استمع جيداً… فهي لا تقول “توقف”، بل تهمس لك: “تسلق.


تعليقات